ثمة مشاعر غامضة ومحيرة ، تزرع مئات من علامات الاستفهام والتيه والذهول ، في ذات كل منا تجاه ما يواجهه في هذه الحياه ، وتتكاثف هذه الاسئله وتصبح حاده ومؤلمه اذا كان الأمر يتعلق بالحب الذي يجمع بين قلبين وروحين في زمن شحت فيه مشاعر الحب الصادق المخلص العفيف.
ولو حاولنا تفسير بعض طلاسم هذا الحب الواعي الذي يجمع هاذين القلبين نجد أنها تكمن في أسباب عديدة ، فبالإضافة الى الجانب الفيزيائي ، ينجذب الشخص في معظم الحالات الى الطرف الآخر عندما تتوفر عوامل منها : الإهتمام المشترك والقيم المشتركة وعندما يمتلك الآخر تلك المزايا الشخصية التي يشعر المرء بأنها متوافقة مع شخصيته ، إضافة الى ذلك فإن الحب يبرز الى الوجود عندما يتوافر عنصر الإعجاب .
لكن ماذا عن مشاعر الكيمياء في الحب ؟
ماذا عن تلك المشاعر غير القابلة للتفسير والفهم التي تجعل المرء يشعر وهو في حضره من يحب ، بأنه في حال من التكامل والتوافق وبأنه في المكان المناسب تماما ؟
وماذا عن الإحساس بأنك تعرف الطرف الآخر منذ سنين طويلة مع أنك لم تلتقي به إلا قبل فترة وجيزة؟
وماذا عن المعرفة الفطرية بأن ذلك الشخص هو الذي كنت تبحث عنه منذ قرون من الزمن ؟
هذا السؤال الأخير هو مايسمى ب : " التعارف أو الحب الغير واعي " .
أي إنه تلك الحالة التي يكون فيها اللاوعي سابقا في إلتقاط الطرف الآخر والتجاذب معه قبل أن يلتقي به وأن يعرفه وأن يحبه بشكل واقعي على أرض الواقع والمنطق والعقل ، وتقوم هذه الفرضية على أن لكل منا شفيرة نفسية يحملها معه في غياهب اللاوعي ، وفي تلك الشفيرة يوجد مايشبه الشرائح التي تحتوي على نوازعنا ورغباتنا وبواعث إحباطاتنا وآمالنا وأحلامنا وأشكال تأقلمنا مع الواقع وطرق دفاعاتنا .. إنها بعباره أخرى تحمل نسخة عن ال " أنا " الخاصة بكل منا ، وإضافة الى تلك الخواص تمتلك الشريحة او الشفيرة مميزة تمكنها من مسح الشخصيات المحيطة وإستكناه الشفرات الخاصة بالأخرين من الجنس الآخر بحثا عن الشخص المطلوب وفق حالة التوافق القصوى المأمولة .
إننا بتلك القدرات الاستشعارية الخفية نبحث عن أشباهنا في الوجوه والشخصيات التي نلتقيها ، ولكننا بقدر أكبر من البحث عن الأشباه ، نبحث عن الإختلافات الموجودة بيننا وبين من نرشحهم للظفر بشغاف القلب ، وفي كثير من الأحيان يكون للاختلافات ، وليس لأوجه الشبه الدور الحاسم في ترجيح كفة هذا الشخص أو ذاك لدخول القلب .
هذه هي الثنائية التي تنطوي عليها كل حالة حب ، ثمة حاجة الى وجود سمات وملامح متشابهة في التجربتين والشخصيتين ، وثمه ضرورة أيضا لوجود مساحة كافية من الإختلافات بين الإثنين .
ذلك يتضمن أن التشابه التام ليس كافيا للحب ، كما أن الإختلاف التام أيضا لا يكفي لتحقيق الحب ، وفي الوقت ذاته لا يكفي الإختلاف لكي ننفي إمكان تحقق الحب .
إن المسألة الجوهرية هنا هي في تقارب الأرواح وتمازجها وتشابها وتماثلها ، الى درجه يشعر المرء فيها بالحيرة والذهول والتعجب من فهم الشخص الآخر لما يريد هو قوله دون كلمات أو إشارات أو علامات وإنما فقط من خلال صوت القلب ونداء الروح وهتاف الحب .
ولك أن تتخيل أن هذا الشعور لعمقة ورقته وبساطته يسيطر على المرء مع من يحب في كل تفاصيل حياته الصغيرة والكبيرة ، والمهمه والتافهة ، فحينما يسيران بجانب بعضهما البعض يخطر في ذهن أحدهما أن يمد يده الى من يحب ليحتضنها ويضمها فإذا بالشخص الآخر يمد يده في ذات اللحظه دون سبب واضح وحينما يسأله الآخر مندهشا ومنبهرا تكون إجابته بكل بساطه وعفوية وتلقائية : " لقد سمعت صوتك بقلبي يقول إعطني يدك " .
وتتشابه الأحداث والوجوه والصور فيما بين الإثنين الى درجة عظيمة من التقارب والتمازج في المشاعر والأحاسيس والعواطف تجاه الأشياء والزمن والناس .
إن الحب الغير واعي .. حب نادر وعظيم ، لا يحدث كل مره في حياة كل إنسان ، و لا يتكرر كثيرا في كل زمان ، إنه لندرته يبدوا أحيانا لمن يقرأ عنه أو يسمعه كأنه ضرب من الجنون أو الخيال العاطفي فكيف لروح أن تسمع صوت روح أخرى وبينهما مئات الأميال ، وكيف لعقل أن يدرك كيف أن هذا الحب الغير واعي ينسف كل المنطق والمعقول وكل ماهو قابل للتصديق .