قصة قرية
إبراهيم الحدادي
بسم الله الرحمن الرحيم
هناك على ضفاف نهر سدوم تقع قرية سدوم، حيث الماء العذب الزلال، والأشجار في كل مكان، والأنام في رغد من العيش ووئام، ولكن سكان القرية ليسوا كالبشر!
فقد غيروا وبدلوا، ونكسوا الفطرة، ورفضوا الملة، وعاثوا في الأرض فسادًا، فكانت النتيجة الهلاك والدمار والعذاب الأليم!!
ولكن هل تعلم لماذا أهلكوا وعذبوا؟
لقد كذبوا المرسلين، وغيروا فطرة الله، وتنكبوا عن الصراط المستقيم، لقد كانوا يأتون الذكران من العالمين، لقد كان الرجل منهم يركب الرجل في فعلة قبيحة مشينة، وأتوا مالم يأته أحد من العالمين قبلهم {وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ} [الأعراف:80].
ووصفهم تعالى بالإسراف ومجاوزة الحد في اقتراف المعاصي {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} [الأعراف:81].
وبأنهم مجرمون {فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} [الأعراف:84].
ووصف تعالى فعلهم بالخبيث وأنهم فاسقون {وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ} [الأنبياء:74].
ووصفهم بأنهم مفسدون ظالمون {قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ* وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ} [العنكبوت:30-31].
فماذا كان الجزاء؟ لما تمادى أهل هذه القرية في غيهم أرسل الله إليهم لوطا ً عليه السلام لنذرهم ويحذرهم، فلم يسمعوا كلامه، ويطيعوا أمره، ولم يصدقوا ما أرسل به إليهم، وتسببوا في أذيته، وحاولوا إخراجه، وأذية ضيوفه ومن يقدم عليه، فدعى ربه أن ينصره عليهم وأن يهلكهم ويقطع دابرهم فكان الجواب {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود: 81].
ولما جاء الوعد الحق، أرسل الله جبريل عليه السلام ليطهر الأرض منهم، وينصر رسوله لوطاً عليهم، فرفعها إلى السماء حتى سمعت الملائكة في السماء صياح الديكة ونباح الكلاب ثم قلبت وأبتعت بحجارة من سجيل مسومة للمسرفين {فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ* مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 82-83].
ولما كان الجرم عظيمًا ومخالفًا للفطرة كانت العقوبة من جنس العمل! فتأمل!
أضرار وخيمة، ومفاسد عظيمة:
إن في هذه الفعلة القبيحة أضراراً كثيرة من أهمها:
• أنها سبب لنزع الحياء وقلته «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» [رواه البخاري].
• وهذه الفعلة تقسي القلب وتمرضه وتسبب له الهموم والغموم والأحزان، وتذهب عنه صفة الرحمة والشفقة، وتقلب فطرته السليمة.
• ومن أضرارها سور الخلق، وبذاءة اللسان، ونزع الثقة وذهاب الغيرة.
• إنها أيها الشاب تذهب العفة، وتقلل المروءة وتذهب الرجولة، والكرامة وتورث الذلة والصغار، والسقوط من أعين الناظرين.
• أخي وهذه الجريمة الخلقية تسبب الأمراض الفتاكة والتي من أهمها الزهري: وقد يظهر على شكل تقرحات في الأعضاء التناسلية أو غيرها من أعضاء الجسم كالكبد وغيره، ومنها الهربس: ويتميز بتقرحات شديدة حمراء، تكبر وتتكاثر، ومنها الإيدز: وهو يعني نقص المناعة فلا يقوى الجسم على مكافحة الأمراض، ومنها فيروس الحب: والذي يسبب بثورًا وتقيحات مصحوبة برائحة منتنة، مما يسبب للمريض النزيف حتى يموت.
ما الحكم الشرعي في هذه الجريمة؟
لايخفى عليك أن هذه الفاحشة من الكبائر العظام وقد ورد تحريمها في الكتاب والسنة فقد لعن الله فاعلها قال صلى الله عليه وسلم: «لعن الله من عمل عمل قوم لوط» [السلسلة الصحيحة 3462]
وعقوبة فاعلها القتل كما قال عليه الصلاة والسلام: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به» [صحيح الجامع 6589].
اسلك سبيل النجاة:
يا من تسعى للخلاص وتتطلع إلى طريق النجاة عليك بتقوى الله ومراقبته في السر والعلن، وتجديد الإيمان في النفس، والخوف منه تعالى، ومن أليم عقابه.
• أيها الشاب استحي من الله تعالى أن يراك وأنت على معصيته، وحاسب نفسك قبل الحساب!
• تذكر أن عقوبة اللواط شديدة فعن علي رضي الله عنه قال: \"إذا استغنى الرجل بالرجل والنساء بالنساء كان الخسف والمسخ والقذف من السماء\" [رواه أبو محمد الدوري في ذم اللواط وقال المحقق إسناده صحيح].
• ابتعد عن مواطن الفتنة، وميثرات الشهوة، والمواقع الإباحية عبر الإنترنت وغيره من وسائل الشر.
• ابتعد عن المردان، ومن يتشبه بالنساء، ويدعو للفاحشة ويستشرف لها.
• احفظ سمعك من سماع الغناء، والكلمات الماجنة وبصرك عن النظر إلى الحرام، من مسلسلات، وفضائيات وأفلام ومجلات خليعة.
• ابتعد عن المبالغة في التجمل، واحذر من لبس الضيق، والمثير للشهوة.
• تجنب الخلوة، وكثرة التفكير في الشهوة، واستغل وقت فراغك في ذكر الله، وقراءة القرآن، وكل ما هو مفيد لك في دينك ودنياك.
• عليك بالصيام فهو يخفف الشهوة، ويضيق مجاري الشيطان.
• تذكر أن الزواج حصن وسبيل لتفريغ الشهوة.
• عليك بالصبر، والاستعفاف، فمن يتصبر يصبره الله ومن يستعفف يعفه الله.
• ابتعد عن المعشوق والمحبوب، ومن يحرك فيك الشهوة، وعدم الاستمرار معه في الكلام الفاحش.
• اصحب الأخيار، وتجنب رفقاء السوء، وأهل المعاصي والفجور.
• تذكر أن قرة عين المؤمن في الصلاة، فافزع لها، وحافظ عليها، ولاتتخلف عنها.
• ادفع الخواطر والأفكار، وفكر في المفيد والنافع وفكر في عواقب هذه الفاحشة.
• تذكر الموت، فهو يأتي بغتة، فهل تريد الموت على معصية الله؟ وتذكر القبر فهو صندوق عملك، فبماذا تملؤه؟؟
• أخي: عليك بالدعاء، والالتجاء إلى الله تعالى بأن يجنبك نزغات الشيطان، وأن يجنبك الشرور والفتن.
• اجتهد في كل ما سبق ولا تيئس، ولا تجعل اليأس يتغلب عليك، ولاتؤثر اللذة الفانية على اللذة الباقية، واعلم أنك ما خلقت إلا لغاية سامية، إنها عبادة الله.
تنبيهان:
ما ذكر من عواقب وأضرار لهذه الفاحشة قد يتأخر ظهوره فلا يغتر المرء بتأخير العقوبة فإن الله يمهل ولايهمل.
إذا وقع الشاب فريسة لرفقاء السوء وأصبح يهدد فعليه بالالتجاء إلى الله تعالى أن يخلصه من هذا الشر، ويحاول عرض مشكلته على من يثق به من معلم أو مرشد، أو رجال الهيئات ورجال الأمن إذا تطلب الأمر ذلك.
تساؤلات؟
هل ترضى لنفسك الفضيحة والعار؟
هل تحب أن تجلب على والديك وإخوانك وعشيرتك العار والشنار؟
هل تحب أن تكون شاذا ً عن بقية الناس وموصوفا ً بصفات الفاسقين؟
هل تحب أن تحشر مع أهل الفسق؟
هل فكرت في التوبة والرجوع قبل الفراق والتفاف الساق بالساق؟
أخي الشاب: اجعل نصب عينيك قول الشاعر:
وإذا ماخلوت بريبة في ظلمة
والنفـس داعيـة إلى الطغيان
فاستح من نظر الإله وقل لها
إن الـذي خلـق الظـلام يراني
وفقني الله وإياك لفعل الخيرات، وترك المنكرات وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.