أسرى برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المسجد الحرام إلى بيت المقدس , راكباً على البراق , صحبه جبريل عليهما الصلاة والسلام , فنزل هناك , وصلى بالأنبياء إماماً , وربط البراق بحلقة باب المسجد
.
ثم عرج به تلك الليلة من بيت المقدس إلى السماء الدنيا , فاستفتح له جبريل , ففتح له , فرأى هنالك آدم أبا البشر , فسلم عليه , فرحب به , ورد عليه السلام , وأقر بنبوته , وأراه الله أرواح الشهداء عن يمينه , وأرواح الأشقياء عن يساره
.
ثم عرج به إلى السماء الثانية , فاستفتح له , فرأى فيها يحيى بن زكريا وعيسى بن مريم , فلقيهما وسلم عليهما , فردا عليه , ورحبا به , وأقرا بنبوته
.
ثم عرج به إلى السماء الثالثة , فرأى فيها يوسف , فسلم عليه , فرد عليه ورحب به , وأقر بنبوته
.
ثم عرج به إلى السماء الرابعة , فرأى فيها إدريس , فسلم عليه , ورحب به , وأقر بنبوته
.
ثم عرج به إلى السماء الخامسة , فرأى فيها هارون بن عمران , فسلم عليه , ورحب به , وأقر بنبوته
.
ثم عرج به إلى السماء السادسة , فلقى فيها موسى بن عمران , فسلم عليه ورحب به , وأقر بنبوته
.
فلما جاوزه بكى موسى , فقيل له : ما يبكيك ؟ فقال : أبكى لأن غلاماً بعث من بعدى يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتى
.
ثم عرج به إلى السماء السابعة , فلقى فيها إبراهيم عليه السلام , فسلم عليه ورحب به , وأقر بنبوته
.
ثم رفع إلى صدرة المنتهى , ثم رفع له البيت المعمور
.
ثم عرج به إلى الجبار جل جلاله , فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى , فأوحى إلى عبده ما أوحى , وفرض عليه خمسين صلاة , فرجع حتى مر على موسى , فقال له : بم أمرك ؟ قال بخمسين صلاة , قال : إن أمتك لا تطيق ذلك , ارجع إلى ربك فسأله التخفيف لأمتك , فالتفت إلى جبريل , كأنه يستشيره فى ذلك , فأشار : أن نعم , إن شئت , فعلا به جبريل حتى أتى به الجبار تبارك وتعالى , وهو فى مكانه هذا لفظ البخارى فى بعض الطرق فوضع عنه عشرا , ثم أنزل حتى مر بموسى فأخبره , فقال : ارجع إلى ربك فسأله التخفيف , فلم يزل يتردد بين موسى وبين الله عز وجل , حتى جعلهما خمسا , فأمره موسى بالرجوع وسؤال التخفيف , فقال : قد استحيت من ربى , سولكنى أرضى وأسلم , فلما بعد ناد مناد : قد أمضيت فريضتى , وخففت عن عبادى
.
وقد رأى ضمن هذه الرحلة أموراً عديدة
:
عرض عليه اللبن والخمر , فاختار اللبن , فقيل هديت الفطرة أو أصبت الفطرة , أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك
.
ورأى أربعة أنهار فى الجنة : نهران ظاهران , ونهران باطنان , والظاهران هما النيل والفرات , ومعنى ذلك أن رسالته ستتوطن الأودية الخصبة فى النيل والفرات , وسيكون أهلها حملة الإسلام جيلاً بعد جيل , وليس معناه أن مياه النهرين تنبع من الجنة
.
ورأى مالك خازن النار , وهو لا يضحك , وليس على وجهه بشر وبشاشة , وكذلك رأى الجنة والنار
.
ورأى أكلة أموال اليتامى ظلماً لهم مشافر كمشافر الإبل , يقذفون فى أفواههم قطعاً من نار كالأفهار , فتخرج من أدبارهم
.
ورأى أكلة الربا لهم بطون كبيرة , لا يقدرون لأجلها أن يتحولوا عن مكانهم ويمر بهم آل فرعون حين يعرضون على النار فيطأونهم
.
ورأى الزناة بين أيديهم لحم سمين طيب إلى جنبه لحم غث منتن يأكلون من الغث المنتن , ويتركون الطيب السمين
.
ورأى النساء اللاتى يدخلن على الرجال من ليس من أولادهم , رآهن معلقات بثديهن
.
ورأى عيراً من أهل مكة فى الذهاب والإياب , وقد دلهم على بعير ندّ لهم , وشرب ماءهم من إناء مغطى وهم نائمون , ثم ترك الإناء مغطى , وقد صار ذلك دليلاً على صدق دعواه فى صباح ليلة الإسراء
.
فلما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى قومه أخبرهم بما أراه الله عز وجل من آياته الكبرى , فاشتد تكذيبهم له وأذاهم واستضرارهم عليه , وسألوه أن يصف لهم بيت المقدس , فجلاه الله له , حتى عاينه , فطفق يخبرهم عن آياته , ولا يستطيعون أن يردوا عليه شيئاً , وأخبرهم عن غيرهم فى مسراه ورجوعه , وأخبرهم عن وقت قدومها , وأخبرهم عن البعير الذى يقدمها وكان الأمر كما قال , فلم يزدهم ذلك إلا نفورا , وأبى الظالمون إلا كفورا
.
يقال سمى أبو بكر رضى الله عنه صديقاً , لتصديقه هذه الوقعة حين كذبها الناس